قطاع السيارات في الإمارات والسعودية يتوّج 100 عام من التطور بتسريع الانتقال من الاستيراد إلى التصنيع المحلي
يُصادف هذا العام مرور 100 عام على وصول أول سيارة ركاب إلى منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، بدءا من الملك عبد العزيز واستمرّت التطوّرات حتى اليوم مع تحوّل نحو الخدمات والإنتاج المحلي.
يُصادف هذا العام مرور 100 عام على وصول أول سيارة ركاب مُسجّلة إلى منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يشير المؤرخون إلى أن أول من أدخل سيارة إلى السعودية كان الملك عبد العزيز عام 1921، أي قبل 11 عاماً من توحيد البلاد، وكان يُطلق على الملك حينها لقب سلطان نجد.
ولا توجد سجّلات حول أول سيارة وصلت إلى الإمارات، غير أنّه من المعروف أنّ سيارتين على الأقل وصلتا في عام 1936 كجزء من بعثة جيولوجية أتت للتنقيب عن النفط.
وتطوّرت كلتا الدولتين منذ ذلك الوقت لتتحولا إلى اثنين من أبرز الأسواق العالمية لقطاع السيارات وتلعبا دوراً محورياً كبوابة رئيسية بين الشرق والغرب.
وكانت خدمات ما بعد البيع وقطع غيار السيارات في الدولتين تعتمد بصورة رئيسية على الواردات على مدى القرن الماضي، ولكن يبدو بأنّ هذا المشهد على وشك التغيّر بشكل جذري.
إذ أشار تقرير جديد صادر عن مجموعة جلاسكو للاستشارات، الشريك المعرفي لمجموعة ميسي فرانكفورت ميدل إيست، الجهة المُنظمة لمعرض أوتوميكانيكا دبي، إلى وجود تحوّل نحو التركيز على الخدمات بدل المنتج ونشوء سوق إنتاج محلية.
ويأتي هذا المؤشر في توقيت مثالي مع انطلاق معرض أوتوميكانيكا دبي، أكبر معرض تجاري دولي مُتخصص بخدمات ما بعد البيع للسيارات في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، والذي يُقام في مركز دبي التجاري العالمي في شهر ديسمبر الحالي بالتزامن مع إكسبو 2020 دبي.
صُنع في السعودية
اعتبر التقرير بأنّ توجه مُصنّعي المعدات الأصلية إلى توطين أنشطة الإنتاج في منطقة الشرق الأوسط يمثل أبرز الإنجازات التي سيشهدها القطاع، حيث تتصدر السعودية قائمة الدول في هذا المجال. وتشمل مزايا هذا التوجه خفض تكاليف الاستيراد وتحفيز الاستثمار المحلي ومكافحة التقليد والاحتيال.
وقال التقرير: "من المرجح أن يدرس أبرز مُصنّعي المعدات الأصلية، مثل تويوتا، إمكانية تصنيع المركبات محلياً. ومن المتوقع أن يُسهم استثمار ضخم من أحد أهم مُصنّعي المعدات الأصلية في تعزيز سلسلة التوريد لتصنيع قطع غيار السيارات في المملكة. كما تعمل المملكة حالياً على تطوير مركز لتصنيع السيارات وتحفيز المستثمرين من خلال ضخّ مزيد من الأموال في القطاع".
وقال التقرير: "عبرت السعودية أيضاً عن استعدادها لتزويد مُصنّعي السيارات وقطعها بالمواد الخام الأساسية بأسعار تنافسية. ويهدف المُجمّع المختص بالسيارات إلى جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وزيادة قدرات التصدير وتوفير الوظائف والإسهام في جهود التنويع الاقتصادي كجزء من خطة رؤية السعودية 2030 الإصلاحية".
وكشف التقرير أيضاً أنّ المملكة تعمل على تأسيس قطاع سيارات وطني من خلال تشجيع مُصنّعي المركبات في جميع أنحاء العالم على إطلاق عملياتها في المملكة لزيادة أعداد الوظائف المتاحة محلياً وتعزيز التحوّل التكنولوجي وتبادل المهارات.
وينبغي على قطاع خدمات ما بعد البيع العالمي، والذي يجني حالياً فوائد مبيعات المركبات في الإمارات والسعودية التي تبلغ ما نسبته 60% من إجمالي المبيعات في منطقة الخليج، أن يأخذ هذا التحول بعين الاعتبار، رغم الطابع التدريجي الذي يغلب عليه. ومن ناحية أخرى، يُطلق التقرير توقعات متفائلة بشأن سوق قطع السيارات في السعودية والإمارات على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، مُشيراً إلى أن السوق تتمتع بإمكانات قوية وقد تحقق معدلات نمو صحية، ولكنها قابلة للتغير.
زيادة وتيرة التغيير
تشمل التغييرات الرئيسية التي يمر بها القطاع في المنطقة تحوّل سوق السيارات في السعودية والإمارات نحو نموذج أعمال أكثر تركيزاً على الجانب الخدمي، مع تركيز مزيد من الأطراف الفاعلة على تجربة العميل وخدمات ما بعد البيع، التي تدعمها تطبيقات المحمول الخاصة بخدمات السيارات التي تقدمها أطراف ثالثة. ويقول التقرير إن هذه التطبيقات تمثل فرصة قوية للتطوير ومجالاً غير مطروق للداخلين الجدد إلى السوق، رغم أنها ما تزال في مرحلتها الأولى. كما يُلاحظ تزايد الاستثمارات في القنوات الجديدة للتفاعل مع العملاء، مثل طرق التسليم السريع والمبيعات من خلال الإنترنت لقطع الغيار في السعودية.
التسارع المُطرد
تأثرت سوق قطع السيارات الخاصة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي بالتداعيات السلبية لأزمة كوفيد-19، حيث تراجعت نسبة مبيعات المركبات الخاصة والأميال المقطوعة، كما انكمش سوق خدمات ما بعد البيع في السعودية بنسبة 16% لتصل قيمتها إلى 10.6 مليار ريال سعودي في عام 2020، بينما تراجعت السوق الإماراتية بنسبة 20% إلى 8.2 مليار درهم إماراتي؛ ويكشف التقرير بأنّ السوق ستعود إلى وضعها الطبيعي في النصف الثاني من عام 2022. وتُرجح التوقعات تسجيل السوقين السعودية والإماراتية لمعدلات نمو في القيمة عند 8.5 و10.8% على التوالي، مدفوعة بارتفاع الطلب في فترة ما بعد كوفيد-19، مع الأخذ بعين الاعتبار الارتفاع في مستويات التضخم وأسعار الموردين.
محركات النمو
تُشير التوقعات إلى أن التوجهات الناشئة الناتجة عن أزمة كوفيد-19 تُعد إحدى عوامل النمو، مثل الخدمات عبر المحمول واستلام المركبات وتسليمها وشراء قطع السيارات عبر الإنترنت، حيث شكل الطلب الكبير على خدمات مثل التعقيم والتنظيف وغسيل السيارات، دافعاً كبيراً لهذا النمو.
كما يعكس النمو الذي تشهده السعودية التغيرات الاجتماعية التي شهدتها مؤخراً، مثل السماح للسيدات بقيادة السيارات. وقال التقرير: "تتجه خدمات ما بعد البيع في قطاع السيارات في المملكة نحو تحقيق نمو نتيجة التوجهات الأخيرة، بما فيها تعافي أسعار النفط ورفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة".
ارتفاع الطلب على قطع الغيار
سيزداد الطلب على قطع الغيار من العملاء السعوديين الذين يرغبون بإجراء تعديلات على أداء مركباتهم، ما سيؤدي إلى ازدهار أسواق قطع الغيار المستعملة في السعودية والإمارات على حد سواء. كما سيحافظ الطلب على خدمات ما بعد البيع الخارجية على مستوياته المرتفعة في السعودية، لا سيما أنّ 83% من المركبات فيها لا تتمتع بأي كفالة.
رصد التغييرات
يسلط معرض أوتوميكانيكا دبي الضوء على وتيرة التغيير الكبيرة التي يشهدها القطاع في المنطقة، لا سيما أنّ مجموعة ميسي فرانكفورت تَعِدُ بتقديم "مجموعة من الفعاليات الجديدة والمعتادة التي تهدف إلى إطلاع آلاف الخبراء المتخصصين على أحدث التطورات في توجهات السوق". وتعليقاً على دور الفعالية المباشرة في تحفيز القطاع الإقليمي على إعادة صياغة استراتيجياته، قال محمود غازي بيلكوزن، مدير عام معرض أوتوميكانيكا دبي: "نتواصل باستمرار مع جميع الأطراف المعنية، لا سيما في ضوء استمرار جهود قطاع خدمات ما بعد بيع السيارات العالمي لاستكشاف هذا المجال الجديد. وسيمنح معرض أوتوميكانيكا دبي القطاع فرصة إعادة تنشيط جميع خططه التجارية لعام 2022".