خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتغيير شكل خريطة صناعة السيارات العالمية
كتب أحمد عمار. الاستفتاء على البقاء في الاتحاد الأوروبي. خروج المملكة المتحدة يؤثر على الاقتصاد العالمي والسوق البريطانية للسيارات. تداعيات سلبية على الجنيه الإسترليني والبورصات. تأثير على المستثمرين الآسيويين والأمريكيين.
كتب أحمد عمار
جاء خبر نتيجة استفتاء البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي صوَّت له الشعب البريطاني في يوم الثالث والعشرين من شهر يونيو لهذا العام (2016) كالصاعقة على العالم بأجمعه، فـ53% من أصل 30 مليون ناخب من الشعب البريطاني "إنجلترا وويلز وأيرلندا وأسكتلندا" قد قرروا خروج مملكتهم من الاتحاد الأوروبي، مما ينعكس سلبيا بالطبع على الاقتصاد البريطاني والعالمي وسوق صناعة السيارات العالمية بصورة عامة وصناعة السيارات البريطانية بصورة خاصة، لتبدأ التداعيات السلبية بهبوط الجنيه الإسترليني بصورة تاريخية في قيمته مقارنة بالدولار الأمريكي والذي لم يحدث طوال 31 عاما.. كما خسرت البورصات العالمية خسائر واضحة بسبب هذا القرار الذي كان يظن العالم أنه بمثابة "تهديد" وأن الشعب البريطاني يعلم جيدا آثار الخروج السلبية ولن يصوّت له! ولكن ما حدث قد حدث وأعلن السيد دايفد كاميرون، رئيس الوزراء، استقالته وتركه منصبه في شهر أكتوبر المُقبل، ليكون التنبؤ بما قد يحدث مبكرا جدا.. ولكن دعونا الآن نتعرّف أولا على حجم صناعة السيارات والمكونات المغذية لها في بريطانيا، وما هي نوعية "المشاكل" التي قد تتعرض لها سوق صناعة السيارات العالمية.
في البداية، يجب أن نعرف أنه يوجد أكثر من 30 مُصنّعا للسيارات في بريطانيا، و6 مكاتب عالمية للتصميم، و13 مركزا للأبحاث والتطوير، وأكثر من 100 شركة مُتخصصة في صناعة المكونات المغذية لهذه الصناعة، و8 شركات مُتخصصة في التقنيات المتطورة والرياضات الميكانيكية التي تقوم ببناء السيارات لسبعة فرق في مسابقة الفورميلا 1، ليعمل في هذا القطاع 800 ألف موظف بريطاني، لينتجوا العام الماضي 1.59 مليون سيارة ينتج عن بيعها ما يساوي 69.5 مليارات جنيه إسترليني، وسيتمّ ضخّ 15.5 مليارات جنيه إسترليني للاقتصاد البريطاني، مع العلم أننا لا نتحدّث عن علامات إنجليزية مرموقة مثل ميني وبنتلي ورولز رويس وأستون مارتن جاجوار ولاند روفر فقط.. فنحن نتحدّث أيضا عن الكثير من المُستثمرين الآسيويين والأمريكيين، وغيرهم الذين ضخوا استثمارات بالمليارات، والآن سيشعرون بخوف من ضخّ استثمارات جديدة أو يمكن أن يفكروا في الخروج من بريطانيا على أسوأ الفروض!
عندما نتحدّث عن المستثمرين الآسيويين، سنتحدّث عن شركات مثل تويوتا ونيسان وهوندا.. فمثلا تويوتا توظّف 3400 موظف في مصنعها في إنجلترا باستثمارات تعدّت حاجز الـ2.2 مليار جنيه إسترليني، كما استثمرت هولندا أكثر من 2.25 مليار جنيه إسترليني في الـ30 سنة الماضية في بريطانيا.. أما شركة نيسان فهي تمتلك مصنعا ضخما مُقاما على مساحة 3.23 كيلومترا مربعا في منطقة Sunderland يعمل به 6700 موظف، ويُنتج طرازات بصورة حصرية عالمية مثل قاشقاي وجوك، لتعدّ هذه الطرازات "إنجليزية" الروح بصورة واضحة.. فهي صُممت بالكامل في مكتب تصميمات نيسان الأوروبي في لندن.
نجد أيضا مثالا للشركات الأمريكية التي استثمرت منذ وقت طويل في بريطانيا، لنشير إلى علامة فورد التي تُقدّم أكثر السيارات والمركبات التجارية مبيعا في بريطانيا وأحد أنجح الطرازات في أوروبا، والتي بدأت أعمالها في بريطانيا عام 1909، وتمتلك الآن ثلاثة مصانع ضخمة للإنتاج، يعمل بها أكثر من 13800 موظف.
ما هي نوعية المشاكل التي نتوقّعها؟
بالنسبة إلى المشاكل العالمية، ستكون أوّلها في اتفاقية التجارة الأوروبية الحرة، ماذا سيحدث لبريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي؟ هل سيزيد سعر السيارات المُنتجة في بريطانيا والمصدرة لجميع أنحاء أوروبا؟ هل سيدفع العميل الأوروبي ضرائب "مُركبة"؟ هل سيعيد المستثمرون التفكير في استثماراتهم المستقبلية في بريطانيا بسبب عدم الاستقرار والارتفاع المُحتمل في التكاليف؟ أم ستُحل هذه المشاكل بهدوء ودون تعقيدات؟ لنتذكّر فورا ما فعلته بلد مثل النرويج التي تشترك مع الدول الأوروبية فقط في اتفاقية التجارة الحرة، ولكن هذا الحل قد لا يجدي نفعا مع بريطانيا، لأنها إن قامت بتنفيذ التجربة النرويجية، سيعني ذلك تطبيقيها لـ93% من بنود الاتحاد الأوروبي! وهذا ما سيرفضه الشعب البريطاني الذي صوّت من أجل الخروج منه.
بالنسبة إلى سوقنا المصرية.. يبقى أهم التساؤلات حول مصير السيارات المُصنّعة البريطانية التي نستوردها، والتي نذكر منها بعض الطرازات مثل علامة ميني ونيسان قاشقاي وجوك وطرازات شركة جاجوار ولاند روفر.. هل سيرتفع أسعارها؟ هل ستخسر المنافسة السعرية مع باقي الطرازات الأوروبية التي سيتم إلغاء الجمارك عليها بحلول عام 2019 طبقا لاتفاقية الجات؟
في رأيي، سيكون من المبكر جدا توقع تأثيرات "واضحة" لحالة عدم الاستقرار التي ستمر بها صناعة السيارات العالمية.. لتكون هذه الأزمة هي بداية لعالم جديد مُختلف لن نعرف قوانينه أبدا في المستقبل القريب!